responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 325
عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة وَيُونُسَ وَهُودٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَقَوْلُهُ: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ إِشَارَةٌ إِلَى السُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى هَذِهِ السُّورَةِ، وَهَذَا فِيهِ إِشْكَالٌ، لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، وَبَعْضَ السُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى هَذِهِ السُّورَةِ مَدَنِيَّةٌ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْعَشْرِ سُوَرٍ الَّتِي مَا نَزَلَتْ عِنْدَ هَذَا الْكَلَامِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ التَّحَدِّي وَقَعَ بِمُطْلَقِ السُّوَرِ الَّتِي يَظْهَرُ فِيهَا قُوَّةُ تَرْكِيبِ الْكَلَامِ وَتَأْلِيفِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّحَدِّيَ بِعَشْرِ سُوَرٍ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ سَابِقًا عَلَى التَّحَدِّي بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مِثْلُ أَنْ يقول الرجل لغيره أكتب عشرة أسطر مثل ما أَكْتُبُ، فَإِذَا ظَهَرَ عَجْزُهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِ اقْتَصَرْتُ مِنْهَا عَلَى سَطْرٍ وَاحِدٍ مِثْلِهِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: التَّحَدِّي بِالسُّورَةِ الْوَاحِدَةِ وَرَدَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَفِي سُورَةِ يُونُسَ كَمَا تَقَدَّمَ، أَمَّا تَقَدُّمُ هَذِهِ السُّورَةِ عَلَى سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، وَسُورَةَ الْبَقَرَةِ مَدَنِيَّةٌ، وَأَمَّا فِي سُورَةِ يُونُسَ فَالْإِشْكَالُ زَائِلٌ أَيْضًا، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ مَكِّيَّةٌ، وَالدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ سُورَةُ هُودٍ مُتَقَدِّمَةً فِي النُّزُولِ عَلَى سُورَةِ يُونُسَ حَتَّى يَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْوَجْهِ الَّذِي لِأَجْلِهِ كَانَ الْقُرْآنُ مُعْجِزًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْفَصَاحَةُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْأُسْلُوبُ، وَقَالَ ثَالِثٌ: هُوَ عَدَمُ التَّنَاقُضِ، وَقَالَ رَابِعٌ: هُوَ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْعُلُومِ الْكَثِيرَةِ، وَقَالَ خَامِسٌ: هُوَ الصَّرْفُ، وَقَالَ سَادِسٌ: هُوَ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنِ الْغُيُوبِ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ مُعْجِزٌ بِسَبَبِ الْفَصَاحَةِ، وَاحْتَجُّوا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَجْهُ الْإِعْجَازِ هُوَ كَثْرَةَ الْعُلُومِ أَوِ الْإِخْبَارَ عَنِ الْغُيُوبِ أَوْ عَدَمَ التَّنَاقُضِ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: مُفْتَرَياتٍ مَعْنًى أَمَّا إِذَا كَانَ وَجْهُ الْإِعْجَازِ هُوَ الْفَصَاحَةَ صَحَّ ذَلِكَ لِأَنَّ فَصَاحَةَ الْفَصِيحِ تَظْهَرُ بِالْكَلَامِ، سَوَاءٌ كَانَ الْكَلَامُ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ الْوَجْهُ فِي كَوْنِهِ مُعْجِزًا هُوَ الصَّرْفَ لَكَانَ دَلَالَةُ الْكَلَامِ الرَّكِيكِ النَّازِلِ فِي الْفَصَاحَةِ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ أَوْكَدَ مِنْ دَلَالَةِ الْكَلَامِ الْعَالِي فِي الْفَصَاحَةِ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَرَّرَ وَجْهَ التَّحَدِّي قَالَ: وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَالْمُرَادُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي ادِّعَاءِ كَوْنِهِ مُفْتَرًى كَمَا قَالَ: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي إِثْبَاتِ الدِّينِ مِنْ تَقْرِيرِ الدَّلَائِلِ وَالْبَرَاهِينِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَوْرَدَ فِي إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا الدَّلِيلَ وَهَذِهِ الْحُجَّةَ، وَلَوْلَا أَنَّ الدِّينَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بالدليل لم يكن في ذكره فائدة.

[سورة هود (11) : آية 14]
فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)
اعْلَمْ أَنَّ الْآيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ اشْتَمَلَتْ عَلَى خِطَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا: خِطَابُ الرَّسُولِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَالثَّانِي: خِطَابُ الْكُفَّارِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [هود: 13] فلما أتبعه بقوله: فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْكُفَّارَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا فِي الْمُعَارَضَةِ لِتَعَذُّرِهَا عَلَيْهِمْ، وَاحْتَمَلَ أَنَّ مَنْ يَدْعُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّه لَمْ يَسْتَجِيبُوا، فَلِهَذَا السَّبَبِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَبَعْضُهُمْ قَالَ: هَذَا خِطَابٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْكُفَّارَ إِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فِي الْإِتْيَانِ بِالْمُعَارَضَةِ، فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّه. وَالْمَعْنَى: فَاثْبُتُوا عَلَى الْعِلْمِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَازْدَادُوا يَقِينًا وَثَبَاتَ قَدَمٍ عَلَى أَنَّهُ مُنَزَّلٌ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 325
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست